كانت سِحنة رجل الأعمال الشبعانة اللامعة تنطق بالملل القاتل.. كان قد غادر لتوه أحضان الفنانة الصاعدة "نسايم" بعد الظهر ولا يدري ماذا يفعل.. لم تكن له رغبة في التفكير أو حتى التثاؤب، أما القراءة فملّها منذ زمن سحيق، وكان الوقت لايزال مبكرا للذهاب إلى السهرة، ومنعه الكسل من الذهاب إلى التريض فما العمل؟... بما يسلي نفسه؟
وأبغله الخادم "رفيق":
- سعادة البية .. فى آنسة بتسأل عن سعادتك واقفة على الباب
- آنسة ؟ ممم... يا ترى من هي ؟ على العموم سيان .. خليها تدخل
ودخلت غرفة المكتب بهدوء فتاة وسيمة سوداء الشعر ترتدي ملابس بسيطة، بل وبسيطة جداً، وعندما دخلت حَيّت بانحناءة .. وأخذت تقول بصوت مرتعش..
ـ انا أسفة ... أنا.....قالوا لي إن حضرتك............ إنه من الممكن أن ألاقيك في الساعة السادسة فقط.....أنا....أنا.....بنت رئيس الشهر العقاري فرع اسيوط "عبد الحميد...."
قاطعها بزوق
- تشرفنا تفضلي أقعدى اية خدمة ؟ أقعدى ماتتكسفيش
- لقد جاية لحضرتك فى طلب ...
مضت الآنسة تقول وهي تجلس في ارتباك وتعبث بأزرارها بيدين مرتعشتين.
- أنا جيت... أطلب من حضرتك تذكرة سفر مجانية إلى بلدى ... سمعت أنكم بتدوا تذاكر مجانية ... وأنا عاوزة أسافر ومعييش ... أنا مش غنية ... تذكرة من القاهرة الى اسيوط
- ممممم....كدة....وعاوزة تسافري اسيوط لية ؟ الحال مش عاجبك هنا
- لا هنا عاجبني ولكن...أهلي عاوزة ان أسافر إلى أهلي ما شفتهمش من مدة طويلة بيقولو أن أمي مريضة
- ممم....وأنتي موظفة ولا طالبة .
وأخبرته الفتاة بالمكان الذي تعمل فيه وعند مَن وكَم كانت تتقاضى وبحجم العمل الذي كانت تؤديه وسئل فى ادق تفاصيل العمل وحصل عليها كلها
ـ كدة...... كنت بتشتغلي..... ما اقدرش اقول أن مرتبك كان كبيرا.....صعب الوادح يقول كدة .... دي مش أنسانية... لازم نصرفلك تذكرة مجانية... مم .... أنتي مسافرة إلى أهلك، ماشي ويمكن كان ليكي في اسيوط حبيب هه؟ .. حبوب؟ هىء هىء هىء... خطيب؟ آه مكسوفة؟ آه... ما فيش داعي دي حاجة كيويسة .....سافري ..... جة الوقت علشان تتجوزي .. وبيشتغل اية .. موظف .. ممتاز .. سافري اسيوط .... بيقولك إنه على بعد مائة متر من اسيوط تنتشر رائحة المواشي .... هىء هىءهىء... أكيد الحياة مملة في اسيوط ... ماتتكسفيش اقلعى الجاكيت خدى راحتك
- يا "رفيق" هات الشاي
لم تكن الفتاة تتوقع مثل هذا الاستقبال الرقيق فشع وجهها بالسرور ووصفت للسيد المحترم كل ما في اسيوط من ألوان التسلية.......وأخبرته أن لديها أخا موظفا وعمها مدرس وأبناء أخيها تلاميذ... وقدم "رفيق" الشاي وتناولت الفتاة الكوب بوجل وراحت ترتشفه دون صوت، وهي تخشى أن تصدرعنها مصمصة.. وكان رجل الأعمال يتطلع إليها وهو يضحك بسخرية.... لقد بدأ يشعر بالملل
ـ هو خطيبك وسيم ؟ وأتعرفت عليه ازاي ؟
وأجابت الآنسة بخجل على هذين السؤالين واقتربت بمجلسها من السيد المحترم في ثقة وروت له وهي تبتسم كيف تقدم الخطاب هنا في القاهرة لخطبتها فرفضتهم ... تحدثت طويلاً، وأنهت حديثها بأن أخرجت من جيبها رسالة من والديها وقرأتها على السيد المحترم.... ودقت الساعة الثامنة.
- والدك خطه لا كيويس ....... دة بيزخرف الحروف ..هىء هىء.. ماشى انا لزم امشي دلوقتي ...لازم السهرة بدأت دلوقتى ......سلام يا أمينة عبد الحميد
فسألت أمينة وهي تنهض :
- طب هو فى أمل
- فى أية ؟
- بأن تصرفولى تذكرة مجانية......
- تذكرة ؟ مممممم....... أنا معنديش تذاكر شكلك غلطى فى العنوان...هىءهىءهىءهىء .. العنوان غلط .. دخلتِي المدخل الغلط ...فى الفيلا الى جانبي ساكن مدير كبير فى السكة الحديد، أما أنا باشتغل رجل اعمال .. يا "رفيق"؛ قل لهم يجهزو العربية.. سلام يا أمينة .. سعيد جدا .... سعيد جدا اني قابلتك
ارتدت الفتاة معطفها وخرجت .....وعند مدخل الباب الآخر قيل لها أنه سافر إلى الأسكندرية في السابعة والنصف.
__________________
موضوع: قصص قصيرة - رجل الأعمال 
الخميس مايو 05, 2011 9:43 am
